بإنبات الخضراوات (بَعْدَ مَوْتِها) بعد أن كانت مواتا يابسة. جعل سبحانه اليبس والجدوبة بمنزلة الموت ، وظهور النبات فيها بمنزلة الحياة توسّعا.
(إِنَّ ذلِكَ) يعني : الّذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) لقادر على إحيائهم ، فإنّه إحداث لمثل ما كان في موادّ أبدانهم من القوى الحيوانيّة ، كما أنّ إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتيّة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من المقدورات (قَدِيرٌ) لأنّ نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء.
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣))
ثمّ عاب سبحانه كافر النعمة بقوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) مؤذنة بالهلاك.
وهي الريح الباردة. (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) فرأوا الأثر أو الزرع ، فإنّه مدلول عليه بما تقدّم. وقيل : السحاب ، لأنّه إذا كان مصفرّا لم يمطر. واللام موطّئة للقسم ، دخلت على حرف الشرط. وقوله : (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) جواب القسم سدّ مسدّ الجزاء. ولذلك فسّر بالاستقبال ، أي : ليظللن.
ذمّهم الله سبحانه في هذه الآية بأنّه إذا حبس عنهم القطر قنطوا من رحمته ، وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين ، وكان عليهم أن يتوكّلوا على الله وفضله.
وإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر استبشروا وابتهجوا ، وكان عليهم أن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ، فلم يزيدوا على الفرح. وإذا أرسل ريحا فضرب زروعهم