فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥))
ولمّا ذمّ سبحانه الشرك ، وذكر الأدلّة الدالّة على توحيده وقدرته وحكمته ، بيّن عقيب ذلك قصّة لقمان ، ووصيّته لولده بالتوحيد واجتناب الشرك ، وأنّه أعطاه الحكمة ، فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) وهو لقمان بن باعورا ، من أولاد آزر ابن أخت أيّوب ، أو ابن خالته. وعاش ألف سنة ، وأدرك داود ، وأخذ منه العلم. وكان يفتي قبل مبعث داود ، فلمّا بعث قطع الفتوى ، فقيل له؟ فقال : ألا أكتفي إذا كفيت؟ والجمهور على أنّه كان حكيما ولم يكن نبيّا. والحكمة في عرف العلماء : استكمال النفس الانسانيّة باقتباس العلوم النظريّة ، واكتساب الملكة التامّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها.
وعن ابن عبّاس : لقمان لم يكن نبيّا ولا ملكا ، ولكن كان عبدا راعيا أسود ، فرزقه الله العتق ، ورضي قوله ووصيّته ، فقصّ أمره في القرآن لتمسكوا بوصيّته.
وقال عكرمة والشعبي : كان نبيّا. وكانا يفسّران الحكمة بالنبوّة. وقيل : خيّر بين النبوّة والحكمة ، فاختار الحكمة.
وروي عن نافع ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «حقّا أقول : لم يكن لقمان نبيّا ، ولكن كان عبدا كثير التفكّر ، حسن اليقين ، أحبّ الله فأحبّه ، ومنّ عليه بالحكمة. وكان نائما نصف النهار ، إذ جاءه نداء : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ؟ فأجاب الصوت : إن خيّرني ربّي قبلت العافية ولم أقبل البلاء. وإن عزم عليّ فسمعا وطاعة ، فإنّي أعلم أنّه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني.