(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧))
عن ابن عبّاس : أنّ اليهود سألوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (١). وقد أنزلت التوراة وفيها علم كلّ شيء ، فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) ولو ثبت كون الأشجار أقلاما.
وتوحيد «شجرة» لأنّ المراد تفصيل الآحاد. (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) مقتضى الكلام أن يقال : ولو أنّ الشجر أقلام ، والبحر مداد. ويكون المعنى : البحر المحيط بسعته مدادا ممدودا بسبعة أبحر. لكن أغنى عن ذكر المداد قوله : «يمدّه» لأنّه من : مدّ الدواة وأمدّها ، بجعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة ، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا ، فهي تصبّ فيه مدادها أبدا صبّا لا ينقطع.
ورفع «البحر» للعطف على محلّ «أنّ» ومعمولها ، و «يمدّه» حال. والمعنى : ولو ثبت كون الأشجار أقلاما في حال كون البحر ممدودا بسبعة أبحر. أو على الابتداء على أنّه مستأنف ، والواو للحال. ونصبه البصريّان بالعطف على اسم «أنّ» ، أو إضمار فعل يفسّره «يمدّه». وفي الكلام حذف ، تقديره : ولو أنّ أشجار الأرض أقلام ، والبحر ممدود بسبعة أبحر ، وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد مقدورات الله ومعلوماته.
(ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) بكتابتها بتلك الأقلام ، وبذلك المداد ، لأنّ ذلك مع كثرته متناه ، ومعلومات الله ومقدوراته غير متناهية. وإيثار جمع القلّة ـ أعني :
__________________
(١) الإسراء : ٨٥.