القرون السالفة ، كعاد وثمود وقوم لوط ، ويرون آثارهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) لدلالات واضحات على الحقّ (أَفَلا يَسْمَعُونَ) سماع تدبّر واتّعاظ.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ) بالمطر والثلج. وقيل : بالأنهار والعيون. (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) الّتي جرز نباتها ، أي : قطع وأزيل ، إمّا لعدم الماء ، وإمّا لأنّه رعي وأزيل. ولا يقال للّتي لا تنبت أصلا كالسباخ : جرز. ويدلّ عليه قوله : (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) وعن ابن عبّاس : نسوق الماء بالسيول إليها ، لأنّها مواضع عالية. وهي قرى بين اليمن والشام. (تَأْكُلُ مِنْهُ) من الزرع (أَنْعامُهُمْ) كالتبن والورق (وَأَنْفُسُهُمْ) كالحبّ والثمر (أَفَلا يُبْصِرُونَ) فيستدلّون به على كمال قدرته وفضله.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))
روي : أنّ المسلمين كانوا يقولون : إنّ الله سيفتح لنا على المشركين. فقالوا على وجه الإنكار والاستبعاد : متى هذا الفتح؟ فنزلت :
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي : في أيّ وقت يكون النصر؟ أو الفصل بالحكومة ، من قوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا) (١). (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنّه كائن.
(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لا يؤخّر العذاب عنهم يومئذ. وهو يوم القيامة ، فإنّه يوم نصر المسلمين ، والفصل بينهم وبين أعدائهم. ولمّا كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح ، استعجالا منهم على وجه
__________________
(١) الأعراف : ٨٩.