له.
ثمّ خرج أولئك النفر من اليهود ، حتّى جاءوا غطفان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله وأخبروهم أنّهم سيكونون عليه ، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك.
فأجابوهم. فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب. وخرجت غطفان ، وقائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر في فزارة ، والحارث بن عوف في بني مرّة ، ومسعر بن جبلّة الأشجعي. وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد ، فأقبل طليحة في من اتّبعه من بني أسد. وأسد وغطفان حليفان. وكتب قريش إلى رجال من بني سليم ، فأقبل أبو الأعور فيمن اتّبعه من بني سليم مددا لقريش.
فلمّا علم بذلك رسول الله ضرب الخندق على المدينة. وكان الّذي أشار عليه بذلك سلمان الفارسي. وكان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يومئذ حرّ. قال : يا رسول الله إنّا كنّا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا. فعمل فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون حتّى أحكموه.
فممّا ظهر من دلائل النبوّة في حفر الخندق ما رواه أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، قال : خطّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الخندق عام الأحزاب أربعين ذراعا بين عشرة. فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، وكان رجلا قويّا. فقال الأنصار : سلمان منّا. وقال المهاجرون : سلمان منّا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سلمان منّا أهل البيت».
قال عمرو بن عوف : فكنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن وستّة من الأنصار ، نقطع أربعين ذراعا ، فحفرنا حتّى بلغنا من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة ، فكسرت حديدنا ، وشقّت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره عن الصخرة ، فإمّا أن نعدل عنها ، فإنّ المعدل قريب ، وإمّا أن يأمرنا فيه بأمره ، فإنّا لا نحبّ أن نجاوز خطّه.