ثمّ بيّن جلالة قدر نبيّه الّذي جعله خاتم النبيّين ، وأرسله إلى كافّة الخلائق أجمعين ، وأعلمهم علوّ قدره عنده ، ليزيد عباده الشكر على رفعة منزلته بينهم ، فقال :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على من بعثت إليهم ، بتصديقهم وتكذيبهم ، ونجاتهم وضلالتهم ، أي : شاهدا مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم ، كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم ، فيجازيهم بحسب شهادته صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو حال مقدّرة ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي : مقدّرا به الصيد غدا. فلا يقال : كيف كان شاهدا وقت الإرسال ، وإنّما يكون شاهدا عند تحمّل الشهادة أو عند أدائها؟
(وَمُبَشِّراً) لمن أطاعني وأطاعك بالجنّة (وَنَذِيراً) لمن عصاني وعصاك بالنار.
(وَداعِياً إِلَى اللهِ) إلى الإقرار به وبتوحيده ، وبما يجب الإيمان به من صفاته (بِإِذْنِهِ) بتيسيره وتسهيله. قيّد الدعوة بالإذن ، إيذانا بأنّ دعوة أهل الشرك والجاهليّة إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة ، لا يتأتّى إلّا بمعونة من جناب قدسه.
(وَسِراجاً مُنِيراً) يستضاء به عن ظلمات الجهالة ، ويقتبس من نوره أنوار البصائر. يعني : كما يجلّى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به ، جلّى به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالّون ، وكما يمدّ بنور السراج نور الأبصار ، أمدّ الله بنور نبوّته نور البصائر.