لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))
ثمّ رجع إلى حكم آخر لنسائه صلىاللهعليهوآله ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) يغطّين وجوههنّ وأبدانهنّ بملاحفهنّ إذا برزن لحاجة. والجلباب : ثوب واسع ، أوسع من الخمار ودون الرداء ، تلويه المرأة على رأسها ، وتبقي منه ما ترسله على صدرها. و «من» للتبعيض ، فإنّ المرأة ترخي بعض جلبابها ، وتتلفّع (١) ببعض ، حتّى تتميّز من الأمة.
وروي : أنّ النساء كنّ في أوّل الإسلام يبرزن في درع وخمار ، بلا فرق بين الحرّة والأمة. وكان الفسّاق يتعرّضون للإماء إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهنّ في النخيل والغيطان (٢) ، وربّما تعرّضوا للحرّة بعلّة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة. فأمرن أن يخالفن بزيّهنّ عن زيّ الإماء ، بلبس الأردية والملاحف ، وستر الرؤوس والوجوه ، ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهنّ طامع ، بخلاف الإماء اللّاتي يخرجن مكشّفات الرؤوس والجباه.
وذلك قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) أقرب إلى أن يعرفن بزيّهنّ أنّهنّ حرائر ولسن بإماء. وعن الجبائي : معناه : ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالستر والصلاح فلا يتعرّض لهنّ ، لأنّ الفاسق إذا عرف امرأة بالستر والصلاح لم يتعرّض لها. (فَلا يُؤْذَيْنَ) فلا يؤذيهنّ أهل الريبة بالتعرّض لهنّ (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف
__________________
(١) تلفّعت المرأة بالثوب : اشتملت به وتغطّت.
(٢) الغيطان جمع الغوطة ، وهي المكان المطمئنّ والمنخفض من الأرض.