رسيلا (١) له في الوقوع ، ومقدّما عليه في اللفظ ، للمبالغة في استحقاقهم له.
و «البعيد» في الأصل صفة الضالّ. يقال : ضلّ فلان ، إذا بعد عن الجادّة. ووصف الضلال به على الإسناد المجازي.
ثمّ ذكّرهم بما يعاينونه ممّا يدلّ على كمال قدرة الله ، وما يحتمل فيه ، إزاحة لاستحالتهم الإحياء ، حتّى جعلوه افتراء وتهديدا عليها ، فقال :
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ، ولم يتفكّروا أهم أشدّ خلقا أم هما؟ (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البيّنات ، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة.
وقرأ حمزة والكسائي : يشأ ، و «يخسف» و «يسقط» بالياء ، لقوله : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ). وحفص : كسفا بالتحريك.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) النظر إلى السماء والأرض ، والتفكّر فيهما ، وما يدلّان عليه من قدرة الله (لَآيَةً) لدلالة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) وهو الراجع إلى ربّه المطيع له ، فإنّ المنيب يكون كثير التأمّل في أمره ، فهو الّذي ينظر ويتفكّر في آيات الله ، على أنّه قادر على كلّ شيء ، من البعث ومن عقاب من يكفر به ، وإثابة من يؤمن به.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١))
__________________
(١) الرسيل : الموافق لك في النضال ونحوه.