(لَيالِيَ وَأَيَّاماً) متى شئتم من ليل أو نهار (آمِنِينَ) لا يختلف إلّا من فيها باختلاف الأوقات. أو سيروا فيها آمنين ، وإن طالت مدّة سفركم فيها ، وامتدّت أيّاما وليالي. أو سيروا ليالي أعماركم وأيّامها ، لا تلقون فيها إلّا الأمن. وفي هذا إشارة إلى تكامل نعمه عليهمالسلام في السفر ، كما أنّه كذلك في الحضر.
ثمّ أخبر سبحانه أنّهم بطروا وأشروا النعمة وبغوا ، وما عرفوا قدر العافية ، كبني إسرائيل سألوا البصل والثوم ، فقال :
(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) سألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز وفلوات ، ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزوّد الأزواد ، فعجّل الله لهم الإجابة بتخريب القرى المتوسّطة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بعّد. ويعقوب «ربّنا» بالرفع ، و «باعد» بلفظ الخبر ، على أنّه شكوى منهم لبعد سفرهم ، إفراطا في الترفّه ، وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه.
(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) حيث بطروا النعمة ، ولم يعتدوا بها (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) يتحدّث الناس بهم تعجّبا.
وسبب التفريق على رواية الكلبي ، عن أبي صالح قال : ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر أنّ سدّ مأرب سيخرب ، وأنّه سيأتي سيل العرم ، فيخرب الجنّتين. وعرفت ذلك في كهانتها. فباع عمرو أمواله ، وسار هو وقومه حتّى انتهوا إلى مكّة ، فأقاموا بها وما حولها ، فأصابتهم الحمّى ، وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمّى. فدعوا طريفة ، فشكوا إليها الّذي أصابهم.
فقالت لهم : قد أصابني الّذي تشكون ، وهو مفرّق بيننا.
قالوا : فما ذا تأمرين؟
قالت : من كان منكم ذا همّ بعيد ، وجمل شديد ، ومزاد جديد ، فليلحق بقصر