الخفيّات ، وما غاب من خلقه في الأرضين والسماوات.
(قُلْ جاءَ الْحَقُ) أي : الإسلام. وعن ابن مسعود : الجهاد بالسيف. (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) وهلك الباطل ، وهو الشرك ، بحيث لم يبق له أثر. وهذا مثل لهلاك الشيء ، فإنّه إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة.
وقيل : الباطل إبليس أو الصنم. والمعنى : لا ينشئ خلقا ولا يعيده. أو لا يبدئ خيرا لأهله ولا يعيده ، أي : لا ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وقيل : «ما» استفهاميّة منتصبة بما بعدها. والمعنى : أيّ شيء يبدئ إبليس أو الصنم ، وأيّ شيء يعيد؟!
عن ابن مسعود : دخل النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة وحول الكعبة ثلاثمائة وستّون صنما ، فجعل يطعنها بعود نبعة (١) في يده ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٢). (جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ).
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ) عن الحقّ كما تدعون (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي : فإنّما يرجع وبال ضلالي عليها ، فإنّه بسببها ، وهي الجاهلة بالذات ، والأمّارة بالسوء ، بخلاف ما لها ممّا ينفعها ، فإنّه بهداية ربّها وتوفيقه. وبهذا الاعتبار قابل الشرطيّة بقوله : (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ) إلى الحقّ (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) أي : فبهدايته وتوفيقه ، حيث أوحى إليّ ، فله المنّة بذلك عليّ.
فلا يقال : أين التقابل بين قوله : (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) وقوله : (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي). وإنّما كان يستقيم أن يقال : فإنّما أضلّ على نفسي ، وإن اهتديت فإنّما اهتدي لها. كقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (٣) (مَنِ
__________________
(١) النبعة : شجرة تتخذ منها السهام والقسي.
(٢) الإسراء : ٨١.
(٣) فصلت : ٤٦.