التذكير. وإنّما فسّر الأوّل دون الثاني ، للدلالة على أنّ رحمته سبقت غضبه. (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد إرساله.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على ما يشاء من الإرسال والإمساك ، وليس لأحد أن ينازعه فيه (الْحَكِيمُ) لا يفعل الإمساك والإرسال إلّا بما تقتضي الحكمة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣))
ولمّا بيّن أنّه الموجد للملك والملكوت ، والمتصرّف فيهما على الإطلاق ، أمر الناس بشكر إنعامه ، فقال :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) الظاهرة والباطنة ، الّتي من جملتها أنّه خلقكم وأحياكم وأقدركم ، وخلق لكم أنواع الملاذّ والمنافع. وليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط ، ولكن به وبالاعتراف بها ، وطاعة موليها. ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه : اذكر أيادّي عندك. يريد حفظها وشكرها ، والعمل على موجبها. فالمعنى : احفظوها بمعرفة حقّها ، والاعتراف بها ، وطاعة معطيها.
والخطاب عامّ للجميع ، لأنّ جميعهم مغمورون في نعمة الله.
وعن ابن عبّاس يريد : يا أهل مكّة اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث أسكنكم حرمه ، ومتّعكم من جميع العالم ، والناس يتخطّفون من حولكم. وعنه : نعمة الله : العافية.
ثمّ أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل ، فيستحقّ أن يشرك به ، فقال :
(هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات ولذلك عقّبه بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فمن أيّ وجه تصرفون عن التوحيد إلى الكفر وإشراك غيره به؟ يعني به قريش.