يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦))
ثمّ ضرب للكافر والمؤمن مثلا آخر ، كما ضرب لهما البحرين مثلا ، فقال :
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) قيل : هما مثلان للصنم ولله تعالى (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) ولا الباطل ولا الحقّ (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) ولا الثواب ولا العقاب. و «لا» لتأكيد نفي الاستواء. وتكريرها على الشّقين لمزيد التأكيد. والحرور فعول من الحرّ ، غلّب على السموم. وقيل : السموم ما تهبّ نهارا ، والحرور ما تهبّ ليلا.
ثمّ مثّل تمثيلا آخر للمؤمنين والكافرين ، أبلغ من الأوّل والثاني ، فقال : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) قيل : هذا تمثيل للعلماء والجهلاء. (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) أي : إنّه قد علم من يدخل في الإسلام ممّن لا يدخل فيه ، فيهدي الّذي قد علم أنّ الهداية تنفع فيه ، ويخذل من علم أنّها لا تنفع فيه (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ترشيح لتمثيل المصرّين على الكفر بالأموات ، ومبالغة في إقناطه عنهم.
والمعنى : يا محمّد قد خفي عليك أمرهم ، فلذلك تحرص وتتهالك على إسلام قوم من المخذولين. ومثلك في ذلك مثل من لا يريد أن يسمع المقبورين وينذر ، وذلك ما لا سبيل إليه.
(إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) فما عليك إلّا الإنذار ، وأمّا الإسماع فلا إليك ، ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) حال من أحد الضميرين ، أي : محقّين ، أو محقّا. أو صفة للمصدر ، أي : إرسالا مصحوبا بالحقّ. ويجوز أن يكون صلة لقوله : (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي : بشيرا بالوعد الحقّ ، ونذيرا بالوعيد الحقّ.
(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) من جماعة كثيرة من أهل كلّ عصر ، فإنّ كلّ عصر أمّة (إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) مضى فيها نبيّ ، أو عالم ينذرهم عنه سبحانه. فإذا اندرست آثار