النذارة من العالم ، وجب على الله بعث نبيّ آخر ، كما في زمان الفترة بين عيسى ومحمّد فما دامت آثار النذارة فيه باقية بنحو نبيّ أو عالم لم يحتج إلى إرسال نبيّ ، ولمّا اندرست بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم. والاكتفاء بذكر النذير للعلم بأنّ النذارة مقرونة بالبشارة ومشفوعة بها ، وقد قرن به من قبل. أو لأنّ الإنذار هو المقصود الأهمّ من البعثة.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات الشاهدة على نبوّتهم (وَبِالزُّبُرِ) كصحف إبراهيم (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) الواضح البيّن ، كالتوراة والإنجيل. ولمّا كانت هذه الأشياء في جنسهم ، أسند المجيء بها إليهم إسنادا مطلقا ، وإن كان بعضها في جميعهم ، وهي البيّنات ، وبعضها في بعضهم ، وهي الزبر والكتاب. وفيه مسلاة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويجوز أن يراد بالزبر والكتاب المنير التوراة والإنجيل. والعطف لتغاير الوصفين ، فإنّ الزبور أثبت في الكتاب من الكتاب ، لأنّه يكون منقرا منقشا فيه ، كالنقر في الحجر. هكذا قال صاحب المجمع (١). (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : إنكاري بالعقوبة ، وإنزالي العقاب بهم.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨))
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٤٠٦.