أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
ثمّ خوّف سبحانه كفّار مكّة بقوله : (أَلَمْ يَرَوْا) ألم يعلموا. وهو معلّق عن العمل في قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) لأنّ «كم» لا يعمل فيها ما قبلها ، وإن كانت خبريّة ، لأنّ أصلها الاستفهام. ويسمّى كلّ عصر قرنا ، لاقترانهم في الوجود.
(أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من «كم» على المعنى ، أي : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم في الدنيا ، فيعتبروا بهم أنّهم سيصيرون إلى مثل حالهم ، فينظروا لأنفسهم ، ويحذروا أن يأتيهم الهلاك ، وهم في غفلة وغرّة كما أتاهم.
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) يوم القيامة للجزاء. و «إن» مخفّفة من الثقيلة. واللام هي اللام الفارقة. و «ما» مزيدة للتأكيد. وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم «لمّا» بالتشديد ، بمعنى : إلّا فتكون «إن» نافية. والتنوين في «كلّ» هو الّذي يقع عوضا عن المضاف إليه ، كقولك : مررت بكلّ قائما. و «جميع» فعيل بمعنى مفعول. و «لدينا» ظرف له ، أو لـ «محضرون». والمعنى : إن كلّهم ـ من الماضين والباقين ـ مجموعون محشورون للحساب والجزاء على وفق أعمالهم.
ثمّ نبّه على بعثهم بقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) أي : دلالة واضحة ، وحجّة قاطعة لهم على قدرتنا على بعث الأرض القحطة المجدبة الّتي لا تنبت. وقرأ نافع بالتشديد. (أَحْيَيْناها) خبر للأرض. والجملة خبر «آية» أو صفة لها ، إذ لم يرد بها معيّنة ، فعوملت معاملة النكرات. ونحوه : ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني.
و «الأرض» خبر أو مبتدأ ، والآية خبرها ، أو استئناف لبيان (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ).
(وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) جنس الحبّ ، من الشعير والحنطة والأرز وغيرها