حال ، ويرتقي من درجة إلى درجة ، إلى أن يبلغ أشدّه ، ويستكمل قوّته ، ويعلم ماله وما عليه ، فإذا انتهى نكسناه في الخلق ، فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبيّ ، في ضعف جسده وقلّة عقله وخلوّه من العلم ، كما ينكس السهم ، فيجعل أعلاه أسفله. ومثل ذلك قوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) (١). (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٢).
(أَفَلا يَعْقِلُونَ) أنّ من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ، ومن القوّة إلى الضعف ، ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلّة التمييز ، ومن العلم إلى الجهل ، قادر على أن يطمس على أعينهم ، ويمسخهم على مكانتهم ، ويفعل بهم ما شاء وأراد. فلم لا يتدبّرون في أنّ الله تعالى يقدر على الإعادة كما قدر على ذلك؟
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠))
ولمّا ذكر أدّلة وحدانيّته وكمال قدرته ، شرع في بيان رسالة رسوله ، ردّا لقولهم : إنّ محمدا شاعر ليس برسول ، فقال تأكيدا لقوله : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣) : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) بتعليم القرآن ، فإنّه غير مقفّى ولا موزون ، ولا يكون نظمه كنظمه ، ولا أسلوبه كأسلوبه ، وليس معناه ممّا يتوخّاه الشعراء من التخيّلات المرغّبة والمنفّرة ، فأين هو عن الشعر؟
(وَما يَنْبَغِي لَهُ) وما يصحّ له الشعر ، ولا يتطلّب لو طلبه ، أي : جعلناه
__________________
(١) النحل : ٧٠.
(٢) التين : ٥.
(٣) يس : ٣.