الزقّوم والحميم نزل يقدّم إليهم قبل دخولها ، فيوردون إلى الحميم كما تورد الإبل إلى الماء ، ثمّ يردّون إلى الجحيم.
ثمّ علّل استحقاقهم تلك الشدائد بمبادرتهم إلى تقليد الآباء في الضلال من غير توقّف على نظر وبحث ، فقال : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ) صادفوهم (ضالِّينَ) ذاهبين عن الحقّ والدين (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) يسرعون جدّا ، فإنّ الإهراع الإسراع الشديد. كأنّهم يزعجون على الإسراع على آثارهم ، من غير استدلال على جواز هذا التقليد. ومزعجهم عليه هو الشيطان.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) قبل قومك (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) وفيه دلالة على أنّ أهل الحقّ في كلّ زمان كانوا أقلّ من أهل البطلان (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أنبياء أنذروهم من العواقب (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) من المكذّبين المعاندين الحقّ ، بأن أهلكناهم بشدّة العقاب العاجل ، وشدّة العذاب الآجل (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) إلّا الّذين تنبّهوا بإنذارهم ، فأخلصوا دينهم لله. والخطاب مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمقصود خطاب قومه ، فإنّهم سمعوا أيضا أخبارهم ورأوا آثارهم.
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢))
ولمّا ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية ، وسوء عاقبة المنذرين إجمالا ، أتبع تفصيلا ذكر نوح ودعائه حين أيس من قومه ، ثمّ ذكر سائر مشاهير الرسل مع