فيلجئهم إلى الإيمان (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) فجأة في الدنيا والآخرة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) تحسّرا وتأسّفا.
(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩))
روي عن مقاتل : لمّا أوعدهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعذاب استعجلوه تكذيبا له ، فقال سبحانه توبيخا لهم : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) أشرا وبطرا واستهزاء ، واتّكالا على الأمل الطويل. فيقولون : أمطر علينا حجارة ، فأتنا بما تعدنا ، وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة. يعني : كيف يستعجل العذاب من هو معرّض لعذاب لإيجاب في دفعه ، ولا ينظر ولا يمهل طرفة عين؟! (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) أعمارا طوالا في سلامة وأمن (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ * ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) لم يغن عنهم تمتّعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه. يعني : هب أنّ الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم ، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معاشهم.
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) رسل أنذروا أهلها إلزاما للحجّة. وإنّما عزلت الواو عن الجملة بعد «إلّا» ، ولم تعزل في قوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (١). لأنّ الأصل عزل الواو ، لأنّ الجملة صفة لـ «قرية». وإذا زيدت
__________________
(١) الحجر : ٤.