تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠))
واعلم أنّه سبحانه أمر رسوله في أوّل السورة (١) باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث ، وساق الكلام في تقريره إلى ما يلائمه من القصص موصولا بعضها ببعض ، ثمّ أمر باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى ، حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين. فقال عطفا على الأمر باستفتائهم المذكور : (فَاسْتَفْتِهِمْ) أيّ : سلهم واطلب الحكم منهم ، تهكّما وتقريعا (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) أي : كيف أضافوا البنات إلى الله تعالى ، واختاروا لأنفسهم البنين؟ وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر : التجسيم ، وتجويز الفناء على الله تعالى ، فإنّ الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة. وتفضيل أنفسهم عليه ، حيث جعلوا أوضح الجنسين له ، وأرفعهما لهم. واستهانتهم بالملائكة الّذين أكرم خلق الله وأقربهم إليه ، حيث أنّثوهم. ولذلك كرّر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا ، وجعله ممّا تكاد السماوات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الجبال هدّا.
(أَمْ خَلَقْنَا) أي : بل خلقنا (الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) حاضرون عند خلقنا إيّاهم؟ أي : كيف يجعلونهم إناثا ولم يشهدوا خلقهم؟ وإنّما خصّ علم المشاهدة ، لأنّ أمثال ذلك لا تعلم إلّا بها ، فإنّ الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم ليمكن
__________________
(١) الصافّات : ١١.