(إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) إلّا من سبق في علمه أنّه يصلى الجحيم لا محالة ، أي : ضالّ مستوجب للنار مثلكم.
(وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦))
ثمّ حكى عن اعتراف الملائكة بالعبوديّة ردّا على عبدتهم ، فقال : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي : وما منّا أحد إلّا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة ، والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم ، مقصور عليه ، لا يتجاوز ما أمر به ورتّب له ، كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الّذي حدّ له. فحذف الموصوف ، وهو : أحد ، وأقيمت الصفة ـ أعني : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ـ مقامه. ومثله ما
روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «فمنهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون». «فمنهم راكع لا يقيم صلبه ، وساجد لا يرفع رأسه».
ويحتمل أن يكون هذا وما قبله ـ من قوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) ـ يتّصل بقوله : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ). كأنّه قال : ولقد علمت الملائكة وشهدوا أنّ المشركين مفترون عليه في مناسبة ربّ العزّة ، وقالوا : «سبحان الله» تنزيها له عنه. ثمّ استثنوا المخلصين تبرئة لهم بهذا القول. ثمّ خاطبوا الكفرة بأنّ الافتتان بذلك للشقاوة المقدّرة. ثمّ اعترفوا بالعبوديّة ، وبتفاوت مراتبهم فيها لا يتجاوزونها.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) أقدامنا لأداء الطاعة ومنازل العبادة ، مذعنين خاضعين (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) المنزّهون الله عمّا لا يليق به. ويمكن أن يكون الأوّل إشارة إلى درجاتهم في الطاعات ، وهذا في المعارف. و «إنّ» واللام وتوسيط الفصل للتأكيد والاختصاص الدالّين على أنّهم المواظبون على ذلك دائما من غير فترة دون غيرهم.