ظنوا انه لا سبار هاهنا لمعرفة الأشياء الا الحس. واذا كان ذلك كذلك فواجب ان يكون المحسوس هو الموجود والغير محسوس هو المعدوم ، كما ان المعلوم عندنا هو الموجود والغير معلوم هو غير الموجود ، وذلك انهم لما اعتقدوا ان الموجود هو المدرك لنا ، وانه ليس هاهنا موجود غير مدرك فاعتقدوا ان الادراك لنا الذي نحن به ما نحن (١) انما هو بالحس ، اعتقدوا ان المحسوس هو الموجود. وهم وان كانوا غالطين في ذلك ، كما يقول ارسطو ، فهم مقتفون في هذا الاعتقاد أثار الحقّ ، كونهما [كذا] وهو قولهم ان الموجود هو المدرك والغير مدرك بالطبع هو المعدوم لكن غلطهم انما هو في ان اجروا الحس مجرى العلم. ولذلك يعرض ان يكون الامر في نفسه خلافه عند الحس. مثال ذلك الهواء والارض فان الهواء عند العقل اكمل وجودا من الأرض ، والأرض أكمل وجودا عند الحس. ولذلك ليس يلزم أن يكون ما كان اكثر محسوسا أن يكون اكمل لان الاكمل على الحقيقة انما هو الاكمل عند العقل.
فقد تبين من هذا القول السبب الذي من أجله يمكن أن يقال في تغير بعض الجواهر الى بعض انه كون مطلق وكون من غير موجود وفساد مطلق والى غير موجود ، وليس السبب الذي به قلنا في التغير الى بعض الجواهر أنه كون مطلق وفي تغير بعضها كون ما هو / بعينه السبب الذي به نقول في التغير الى الجوهر انه كون مطلق وفي التغير منه انه فساد مطلق ونقول في التغير الى سائر
____________________
١ ـ به ما نحن.