ففي هذه الصحيفة المكرّمة حجج بالغة ناطقة على بقاء النفس من مآثر السلف الصالح. وقد بذلنا جهدنا بتصحيح عبارات الحجج أوّلا ، ثمّ التحقيق والتنقيب في بيان كلّ واحدة منها ثانيا؛ لعلّها توقظ من أخذت الفطانة بيده فأراد أن يفحص عن معرفة ذاته وتحصيل سعادته لبقائه الأبدى. والله سبحانه وليّ التوفيق وبيده أزمّة التحقيق.
واعلم أنّ هاهنا أدلّة تدلّ على أنّ النفس غير الجسمية والمزاج ، وأخرى على أنّها جوهر ، ولمّا كانت العينان : الخامسة والسادسة من كتابنا عيون مسائل النفس وشرحها سرح العيون في هذين الأمرين ، فالصواب أن نكتفى بهما ولم نتعرض بهما في هذا الكتاب.
وقد بيّنا في سائر مسفوراتنا أنّ المباحث الأصيلة عن النفس بنظر ستة ، وإن كنّا بنظر آخر أنهيناه إلى عشرين مبحثا ، بل في عيون مسائل النفس إلى ستّ وستين عينا ، على أنّ بعض العيون يتضمن مسائل في معرفة النفس. وأمّا الستة الأولى فأنّ النفس ذات وحدة شخصية؛ وأنّها تغاير بدنها تغايرا لا تباين وحدتها الشخصية؛ وأنّ لها تجرّدا مثاليا برزخيا؛ وأنّ لها تجردا تامّا عقليا؛ وأنّ لها فوق مقام تجرّدها العقلي؛ وأنّ هذا الشخص الواحد إنسان طبيعي وإنسان مثالي وإنسان عقلي وإنسان لاهوتي. وهذه الصحيفة النورية المكرّمة ناظرة إلى تجرّدها الإطلاقي والمثالي والعقلي وفوق مقام تجرّدها في أبواب ، وناطقة بشر ذمة من أدلّتها النقلية تبرّكا في باب واحد وهو آخر الأبواب. واللّه سبحانه مفتّح الأبواب واليه المرجع والمآب.
أدلّة تجرّد النفس الناطقة الإنسانية على ما حصّلناها من الصحف القيمة النورية بعضها عقلية وبعضها نقلية.
أمّا النقلية فسيأتي نقل طائفة منها بعد الفراغ عن العقلية.
وأمّا العقلية فبعضها ناظر إلى أنّها جوهر غير جسم على الإطلاق.
وبعضها ناظر إلى تجرّدها البرزخي. وهي أدلّة قد اعتبر فيها الأشكال والأشباح والمقادير ونظائرها ، لكن تلك الأشباح والأشكال والمقادير ونحوها عارية عن التجدّد الماديّ والتصرّم الطبيعي العيني الخارجي ، وعالية عن الإمكان الاستعدادي والجهات العنصرية؛