وقد اعترض أبو البركات على سائر الحجج التي أتى بها في المعتبر أيضا ـ وهي مع الحجة المذكورة إحدى عشرة حجة على تجرّد النفس ـ فقال في الخاتمة متفرعا على اعتراضاته : فلم يبق من هذه الحجج ما نرجع في المطلوب إليه ولا نعوّل في الاحتجاج عليه ، ولم يتضح بشيء منها هل النفس جوهر أو عرض (ج ٢ ، ص ٣٦٣ ، ط حيدرآباد).
وأقول : المفروض أنّ الصورة العلمية حصلت للنفس الناطقة بالفعل ، وقد ارتقت النفس من نقصها إلى كمالها النسبيّ ، فمحلّ تلك الصورة على تعبير القوم أعنى النفس إمّا طرف نقطى ، وإمّا ليس كذلك فيعود الإشكالات الواردة بأسرها. سواء كان ذلك التمييز هو المعبر بالفصل والمباينة بالفعل ، أو بالوهمى التقديري. وسائر اعتراضاته على حجج تجرّد النفس كلّها من هذا القبيل فهي داحضة بأسرها؛ ونأتى بتلك الاعتراضات في ضمن تلك الحجج ، ثمّ نريك مواضع ضعفها وعدم ورودها عليها.
تبصرة : قد دريت أنّ النفس الناطقة كأنّها موضوع ما للصور المعقولة ، فلذلك كانت عارية عن المادة وأحكامها ، فادر أيضا أنّ الشيخ الرئيس تصدى في سابع الإشارات لبيان ستّ مسائل عقلية هي من غرر مباحث حكمية. أوليها في وجوب بقاء النفوس الإنسانية بعد تجرّدها عن الأبدان مع ما تقرر فيها من المعقولات؛ وثانيتها في كيفية تقرر المعقولات في الجواهر المجرّدة العاقلة إيّاها. فافتتح في المسألة الثانية بالردّ على اتحاد العاقل بمعقوله ، وتحقيق الحق في ذلك في العين السادسة والعشرين من كتابنا سرح العيون في شرح العيون؛ وابتدأ في الأولى بقوله :
ولمّا كانت النفس الناطقة التي هي موضوع ما للصور المعقولة غير منطبعة في جسم تقوم به بل انّما هي ذات آلة بالجسم فاستحالة الجسم عن أن يكون آلة لها وحافظا للعلاقة معها بالموت لا تضرّ جوهرها بل يكون باقيا بما هو مستفيد الوجود من الجواهر الباقية. انتهى.
بيان : قد تقدّم كلامنا في أنّ حجج تجرّد النفس في سابع الإشارات خمس ، وهذا الفصل يحوى الحجة الأولى منها على أنّ النفس موضوع ما للصور المعقولة إلخ؛ والمحقق الطوسى حسبها أربع حجج. وبالجملة قول الشيخ «فاستحالة الجسم ...»