هذا البرهان في النجاة هكذا : «برهان آخر في المبحث المذكور». ثمّ اقتفاه غير واحد من الأكابر فقد عبّروا عنه في الصحف الأخرى بعد الشفاء بوجوه عديدة وكلّها يرجع إلى ما في الشفا : منها ما في حكمة العين للكاتبى وهو الدليل الثانى فيه أيضا ، قال :
الثانى أنّ المعقولات الكلية مجرّدة عن المادة ، فالقوّة العاقلة لها أيضا كذلك وإلّا لكان لها وضع ومقدار مخصوصان فالحال فيها مقترن بعوارض مخصوصة فلا يكون مطابقا للأفراد المختلفة بالصغر والكبر فلا يكون كليا (ص ١٤٢ ، ط ايران ، ١٣٣٧ هـ ش)
وقال العلّامة الحلّي في شرحه عليه (ايضاح المقاصد) :
هذا برهان ثان على تجرّد النفس الناطقة. وتقريره انّ المعقولات الكلية من حيث هي هي غير مخصصة بشخص معين ، مجرّدة عن المادة ، فانّها لو كانت مخصّصة بمادة لم يصدق على غير تلك المادة فلا يكون كلية ، هذا خلف؛ وإذا ثبت تجرّد الصورة الكلية ثبت تجرّد القوّة العاقلة ، لأنّها لو كانت ذات وضع ومقدار مخصوصين كان الحال فيه مخصصا بذلك الوضع والمقدار وذلك ينافي كلّيتها لأنّها إن لم تطابق غيرها لم تكن كلية ، وإن طابقت غيرها لزم مساوات الشيء الواحد للمختلفين أعنى الأصغر والأكبر ، هذا خلف.
ومنها ما في معارج القدس في مدارج معرفة النفس للغزالى (ص ٢٨ ، ط مصر) وهو البرهان الثانى فيه أيضا. وحرّفت فيه كلمة : «هو ذا تجرّد المعقولات» بعبارة «هو ذات تجرّد المعقولات». كما حرّفت في كتاب المبدأ والمعاد للمولى صدرا أيضا هكذا «انّ القوّة العاقلة من الإنسان شيء ذو تجرّد المعقولات» (ص ٢٠٧ ، ط ١ ، ايران).
ومنها ما في الحكمة المنظومة ، وهو الدليل الثانى فيه أيضا ، قال :
كذا تجرّد الذوات المرسلة. وشرحه بقوله :
والثانى : قولنا كذا أي كذا يرى تجرّد النفس الناطقة ، تجرّد الذوات المرسلة أي الطبائع الكلية العقلية. بيانه : أنّ النفس تعقل الصور العقلية المشتركة بين كثيرين ، وكل مشترك بين كثيرين مجرّد من المادة ولواحقها حتى يصدق عليها ، ومعلوم انّ هذه الصور المجرّدة موجودة في النفس كما مر في مبحث الوجود الذهنى ، فلا محالة