يج) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان
الخامس من نفس الشفاء في أنّ قوام النفس الناطقة غير منطبعة في مادة جسمانية.
قال الشيخ :
وأيضا فإنّه قد صحّ لنا أنّ المعقولات المفروضة التي من شأن القوّة الناطقة أن تعقل بالفعل واحدا واحدا منها غير متناهية بالقوّة؛ وقد صحّ لنا أنّ الشيء الذي يقوى على أمور غير متناهية بالقوّة لا يجوز أن يكون جسما ولا قوّة في جسم ، قد برهن على هذا في الفنون الماضية؛ فلا يجوز إذن أن تكون الذات المتصوّرة للمعقولات قائمة في جسم البتّة ، ولا فعلها كائن في جسم ولا بجسم.
وليس لقائل أن يقول : كذلك المتخيّلات. فذلك خطأ فإنّه ليس للقوّة الحيوانيّة أن يتخيّل أيّ شيء اتفق ممّا لا نهاية له في أيّ وقت كان ما لم يقرن منها تصريف القوّة الناطقة.
ولا لقائل أن يقول : إنّ هذه القوّة أي العقلية قابلة لا فاعلة ، وأنتم أنّما أثبتّم تناهى القوّة الفاعلة والناس لا يشكّون في جواز وجود قوة قابلة غير متناهية كما للهيولى.
فنقول : إنّك تعلم أنّ قبول النفس الناطقة في كثير من أشياء لا نهاية لها قبول بعد تصرف فعلى.
أقول : هذا تمام كلام الشيخ في بيان هذا البرهان. ويعنى بقوله : «الذات المتصوّرة للمعقولات» النفس الناطقة. وتصورها للمعقولات بمعنى اتصافها بها ، وأخذها إيّاها.
وقوله : «برهن على هذا في الفنون الماضية» يعنى في السماع الطبيعى.
وقوله : «ما لم يقرن منها ...» وفي نسختين مخطوطتين من الشفاء ما لم يقرن معها.