يد) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان
السادس من نفس الشفاء في أنّ قوام النفس الناطقة غير منطبعة في مادة جسمانية.
قال الشيخ :
ولنستشهد أيضا على ما بيّناه بالكلام الناظر في جوهر النفس الناطقة وفي أخص فعل له بدلائل من أحوال أفعال أخرى له مناسبة لما ذكرناه فنقول :
إنّ القوّة العقلية لو كانت تعقل بالآلة الجسدانية حتى يكون فعلها الخاص أنما يستتمّ باستعمال تلك الآلة الجسدانية لكان يجب أن لا تعقل ذاتها ، وأن لا تعقل الآلة ، وأن لا تعقل أنّها عقلت فإنّه ليس بينها وبين ذاتها آلة ، وليس لها بينها وبين آلتها آلة ، وليس لها بينها وبين أنّها عقلت آلة لكنّها تعقل ذاتها وآلتها التي تدعى لها ، وأنّها عقلت فإذن تعقل بذاتها لا بآلة.
بل قد نحقق فنقول : لا يخلو إمّا أن يكون تعقّلها آلتها لوجود ذات صورة آلتها تلك ، أو لوجود صورة أخرى مخالفة لها بالعدد وهي أيضا فيها وفي آلتها ، أو لوجود صورة أخرى غير صورة آلتها تلك بالنوع وهي فيها وفي آلتها :
فإن كان لوجود صورة آلتها فصورة آلتها في آلتها وفيها بالشركة دائما فيجب أن تعقل آلتها دائما إذ كانت أنّما تعقلها لوصول الصورة إليها.
وإن كان لوجود صورة لآلتها غير تلك الصورة بالعدد فذلك باطل : أمّا أوّلا فلأنّ المغايرة بين أشياء تدخل في حدّ واحد إمّا لاختلاف المواد والأحوال والأعراض ، وإمّا لاختلاف ما بين الكلى والجزئى ، والمجرّد عن المادة والموجود في المادة؛ وليس هاهنا اختلاف مواد وأعراض فإنّ المادة واحدة والأعراض لموجودة واحدة؛