الف) الحجة الأولى على تجرّد القوّة الخياليّة
وهي التي عوّل عليها أفلاطون الإلهي وقرّرها بعض أهل التحقيق من الإسلاميين :
أنا نتخيل صورا لا وجود لها في الخارج كبحر من زيبق وجبل من ياقوت ، ونميز بين هذه الصور الخيالية وبين غيرها فهذه الصور أمور وجودية وكيف لا يكون كذلك ونحن إذا تخيّلنا زيدا ثمّ شاهدناه حكمنا أن بين الصورتين المحسوسة والمتخيّلة فرقا البتة ، ولو لا أنّ تلك الصور موجودة لم يكن الأمر كذلك ، ومحلّ هذه الصورة يمتنع أن يكون شيئا جسمانيا أي من هذا العالم المادي فان جملة بدننا بالنسبة إلى الصور المتخيلة لنا قليل من كثير فكيف تنطبع الصور العظيمة على المقدار الصغير؟. وليس يمكن أن يقال : إن بعض تلك الصور منطبعة في أبداننا وبعضها في الهواء المحيط بنا إذ الهواء ليس من جملة أبداننا ، ولا أيضا آلة لنفوسنا في أفعالها وإلّا لتألمت نفوسنا بتفرقها وتقطّعها ، ولكان شعورنا بتغيرات الهواء كشعورنا بتغيرات أبداننا فبان أنّ محلّ هذه الصور أمر غير جسمانى وذلك هو النفس الناطقة فثبت أنّ النفس الناطقة مجردة. انتهى تقرير الحجة التي عوّل عليها افلاطن.
وأقول :
هذه الحجة أتى بها الفخر الرازى في الفصل الأوّل من الباب الخامس من المباحث المشرقية وهو الدليل العاشر فيه على تجرّد النفس وقال وهو الذي عوّل عليه أفلاطن وقرّره بعض أهل التحقيق من المتأخرين (ج ٢ ، ص ٣٧٣ ، ط حيدرآباد).
ونقلها كذلك أيضا بعده صدر المتألّهين في الفصل السادس من الطرف الثانى من المسلك الخامس «المرحلة العاشرة» من الأسفار وهي الحجة الثانية فيه في أنّ المدرك