الحسية. ثمّ إنّ إدراك جوهر النفس ذاته أى علمه بنفس ذاته علم شهودى ، والعلم الذي فيه حدود وسطى ودلائل هي الوسائط في العلم هو علم فكري فأين أحدهما من الآخر؟. وقوله : «فإن كان المدرك فيها كلها نفس الإنسان الواحد ...» نعم مدرك جميع الإدراكات الحسية والعقلية هو جوهر النفس الناطقة ، وجميع أفعال الإنسان مستند إلى هوية واحدة وهي ذات نفسه ما (جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب ٥) ثمّ انّ إسناد كل واحد من الأفعال الحسيّة إلى آلة معيّنة وصدوره عنها لا يخرجه عن الإسناد إلى الهوية الواحدة فإنّ قوى النفس كلها من شئونها. وجوهر النفس له فعلان أحدهما لا يحتاج فيه إلى آلات وإن كانت في بدء الأمر معدّات لاعتلائه الوجودى وارتقائه النورى وذلك كتعقله وعلمه بذاته وتلقّيه الحقائق من صقع الملكوت؛ والآخر ما يفتاق فيه إليها وذلك كتعلّقه بالأشياء الخارجية الطبيعية. ولا يخفى عليك أنّ تلك الاعتراضات كأنها خزعبلات اشتغل بها صاحب المعتبر ، والحكيم لا يتفوّه بها ، والفيلسوف الإلهي بمعزل عنها ، نعم من كان متفلسفانيّا لا بأس به.
وأمّا تقرير الحجة على ما في تجريد الاعتقاد وشرحه كشف المراد فنقول : المحقق الطوسي أشار إليها موجزا على دأبه في التجريد بقوله : «وهي جوهر مجرد ....
ولاستلزام استغناء العارض استغناء المعروض» وعنى بالعارض التعقل ، وبالمعروض النفس. وكلام الشارح العلّامة في بيانه هو نحو ما تقدّم من شرح المحقق الطوسى على الإشارات في بيان الحجة ، ومع ذلك لعلّ في نقل عبارة الكشف مزيد إيضاح فيها ، قال :
هذا وجه خامس يدلّ على تجرّد النفس العاقلة ، وتقريره : أنّ النفس تستغنى في عارضها وهو التعقّل عن المحل ، فتكون في ذاتها مستغنية عنه لأنّ استغناء العارض يستلزم استغناء المعروض لأنّ العارض محتاج إلى المعروض ، فلو كان المعروض محتاجا إلى شيء لكان العارض أولى بالاحتياج إليه فإذا استغنى العارض وجب استغناء المعروض. وبيان استغناء التعقّل عن المحلّ أنّ النفس تدرك ذاتها لذاتها لا لآلة ، وكذا تدرك آلتها ، وتدرك إدراكها لذاتها ولآلتها ، كلّ ذلك من غير آلة متوسطة بينها وبين هذه المدركات فإذن هي مستغنية في إدراكها لذاتها ولآلتها ولإدراكها عن