وأيضا تقتضى دوام علمها بجميع عوارضها ما دامت تلك العوارض حاصلة وإلّا لكان علمها بذلك العارض لأجل صورة مساوية لعارضها فيها فحينئذ يجتمع فيها ذلك العارض وصورته فيلزم الجمع بين المثلين. فظهر أنّ هذه الحجة تقتضى كون النفس عالمة بلوازمها ما دامت النفس موجودة ، وكونها عالمة بعوارضها ما دامت تلك العوارض موجودة ، ولو كان كذلك لم يكن شيء من محمولات النفس مطلوبا بالبرهان ، ولمّا لم يكن كذلك بطلت هذه الحجّة.
وأيضا فالمثلان انّما استحال اجتماعهما لأنّه لا يتميز أحدهما عن الآخر بشيء من الأوصاف وحينئذ ترتفع المغايرة بينهما ويحصل الاتحاد بينهما ، ولما كان الاتحاد محالا لا جرم استحال الجمع بين المثلين.
وإذا عرفت ذلك فنقول : إنّ القوّة الناطقة إذا عرفت آلتها في وقت دون وقت فلا بدّ وأن يكون ذلك لأجل حصول صورة مساوية لآلتها فيها ، ثمّ إنّ القوّة الناطقة إذا كانت في الجسم فهناك قد اجتمع في ذلك الجسم صورته الأصلية ، وصورته المكتسبة ولكن قد اختصت كل واحدة منهما بوصف تمتاز به عن الأخرى لأنّ أحد المثلين محلّ القوّة الناطقة ، والثانى حالّ فيها فيبقى الامتياز ولا يلزم المحال ، وهذا شك لا يمكن حلّه» انتهى ما في المباحث من الاعتراض على البرهان.
أقول : قد تقدّم في البحث عن الحجة الأولى قول الفخر في العلم بأنّه إضافة. فقوله هاهنا : «انّا قد بيّنا أنّه ليس إدراك الشى» إلى قوله : «حالة إضافية» صريح بأنّه كان في العلم قائلا بالإضافة ، مع أنّه صرّح أيضا في الفصل الأوّل من الباب الخامس من الفن الثانى من المباحث في بيان تجرّد النفس الإنسانية بأنّ العلم ليس بإضافة بل صفة حقيقية ، وقد تقدّم في ضمن البحث عن الحجة الأولى نقل كلامه هذا من المباحث.
فانظر أنّه كيف كان يتلوّن في آرائه حتى في الشيء الذي هو نور وبه فضيلة كل ذى فضل وكمال كلّ حيّ؟!
وقد علمت في مطاوى البيان حول الحجة المستخرجة من برهان الشفاء في التبصرة الثانية أنّ هذه الحجة مبتنية على أربع مقدمات : إحداها أنّ الإدراك أنّما يكون