لجاز أن يكون السواد مثل البياض في تمام الماهية لأنّ المناسبة بين السواد والبياض لاشتراكهما في كونهما عرضين حالّين في المحل محسوسين أتم من المناسبة بين المعقول من السماء الذي هو عرض غير محسوس حال في محلّ كذلك ، وبين السماء الموجودة التي هي جوهر محسوس موجود في الخارج محيط بالأرض. انتهى كلامه.
أقول في بيان اعتراضه : يعنى بقوله «المعقول من السماء ليس بمساو للسماء الموجودة في الخارج في تمام الماهية» أنّه لو قيل بالمساواة للزم انطباع الكبير في الصغير. ويعنى بقوله : «وإلّا لجاز إلخ» أنّ المناسبة بين السواد والبياض لكونهما عرضين أتم من المناسبة بين العرض الذي هو المعقول من السماء وبين الجوهر الذي هو السماء الموجود في الخارج ، فلو جاز أن يكون هذا العرض مساويا لذلك الجوهر في تمام الماهية فليكن ذلك العرض أي السواد مثل ذلك العرض أي البياض بطريق أولى. ولكن لا يخفى عليك أنّ اعتراض الفخر مبنى على كون السماء المعقولة أي العلم عرضا في محلّ مجرّد هو النفس الناطقة ، وهو كما ترى. وسيأتي الإشارة إلى تحقيق الحق في ذلك.
وأجاب عن اعتراضه المحقق الطوسى بقوله :
إنّ ماهية الشيء هي ما يحصل في العقل من ذلك الشيء نفسه دون عوارضه الخارجة عنه ، ولذلك اشتقت لفظة الماهية من لفظة ما هو فإنّ الجواب عنها يكون بها.
ولما كان ذلك كذلك كان معنى قول القائل المعقول من السماء ليس بمساو للسماء الموجودة في الخارج هو أنّ السماء المعقولة المجرّدة عن اللواحق ليست بمساوية للسماء المحسوسة المقارنة إيّاها ، وحينئذ إن أراد بعدم المساواة التجرّد واللّاتجرّد كان صادقا؛ وإن أراد به أنّ مفهوم السماء نفسه ليس بمشترك بين المجرّدة والمقارنة كان كاذبا؛ فإن زاد وقال المعقول من السماء ليس بمساو للسماء الموجودة في تمام الماهية كما قال هذا الفاضل ـ يعنى به الفخر الرازى ـ كان معناه أنّ المعقول من السماء ليس بمساو للسماء الموجودة في تمام المعقولية أي ليس بمساو لها حال كونها