قد علمت أنّ اعتراض الفخر في المباحث على هذا البرهان كان على أربعة أوجه : أحدها كون الإدراك إضافيا. وثانيها كون جميع لوازم النفس معقولة لها دائما. وثالثها دوام علم النفس بجميع عوارضها الحاصلة لها. ورابعها عدم اجتماع صورتين متماثلتين في محل واحد. وزاد في شرحه على الإرشاد اعتراضا آخر عليه وهو قوله : الجسم قد يحلّ فيه أعراض ولا شك أنّ وجوداتها الزائدة على ماهياتها متماثلة وحالّة في الجسم ويلزم من ذلك اجتماع المثلين.
أمّا الجواب عن اعتراضه الأوّل فقد تقدّم ، ودريت أنّه كان في هذا الاعتراض ناظرا إلى المقدمة الأولى من مقدمات الحجة الأربع. ولا يخفى عليك انّ الاعتراضين الثانى والثالث متقاربان ، ولذا قد أجاب عنهما محقق الإشارات بجواب واحد؛ وكذا صاحب الأسفار أتى بهما معا ونقل جواب المحقق عنهما ، إلّا أنّه لم يرتض بكون الجواب وافيا عن الثاني وأجاب عنه بوجه آخر مرضى له فقال :
وقال أيضا ـ يعنى صاحب المباحث ـ هذه الحجة بعينها تقتضى إمّا كون النفس عالمة بصفاتها ولوازمها أبدا ، أو غير عالمة بشيء منها في وقت من الأوقات بالبيان المذكور الذي ذكرتم. وأيضا تقتضى دوام علمها بجميع عوارضها ما دامت تلك العوارض حاصلة وإلّا لكان علمها بعارضها لأجل صورة مساوية لعارضها فيها فيلزم اجتماع المثلين. قال : وأجاب عنه محقق الإشارات أنّ الصفات واللوازم منقسمة إلى ما يجب للنفس لذاتها ككونها مدركة لذاتها ، وإلى ما يجب لها بعد مقايستها بالأشياء المغايرة لها ككونها مجرّدة عن المادة وغير موجودة في الموضوع ، والنفس مدركة للصنف الأوّل دائما كما كانت مدركة لذاتها دائما ، وليست مدركة للصنف الثاني إلّا حالة المقايسة لفقدان الشرط في غير تلك الحالة. ثمّ قال صاحب الأسفار بعد ذلك :
أقول : ما ذكره ـ يعنى ما ذكره المحقق الطوسى في الجواب ـ غير واف بحلّ الإشكال على التقرير الثانى. ويمكن أن يجاب عنه بأنّ عوارض النفس ليست إلّا علومه وإدراكاته وما يلزمها وتلك العلوم ما دامت حاضرة كانت مدركة لها بنفس صورتها الحاضرة ، وما دامت النفس ذاهلة عنها فهي زائلة عنها ، وكذا لوازم تلك العلوم من