يه) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان السابع
من نفس الشفاء في أنّ قوام النفس الناطقة غير منطبعة في مادة جسمانية.
قال الشيخ :
وأيضا ممّا يشهد لنا بهذا ويقنع فيه أنّ القوّة الدراكة بالآلات يعرض لها من إدامة العمل أن تكلّ لأجل أنّ الآلات تكلّها إدامة الحركة وتفسد مزاجها الذي هو جوهرها وطبيعتها ، والأمور القويّة الشاقّة الإدراك توهنها وربما أفسدتها ولا تدرك عقيبها الأضعف منها لانغماسها في الانفعال عن الشاق كالحال في الحس فإنّ المحسوسات الشاقة والمتكررة تضعفه وربما أفسدته كالضوء للبصر ، والرعد الشديد للسمع ، ولا يقوى الحس عند إدراك القوىّ على إدراك الضعيف فإنّ المبصر ضوء عظيما لا يبصر معه ولا عقيبه نورا ضعيفا ، والسامع صوتا عظيما لا يسمع معه ولا عقيبه صوتا ضعيفا ، ومن ذاق الحلاوة الشديدة لا يحسّ بعدها بالضعيفة ، والأمر في القوّة العقلية بالعكس فإنّ إدامتها للعقل وتصوّرها للأمور التي هي أقوى تكسبها قوّة وسهولة قبول لما بعدها ممّا هو أضعف منها ، فإن عرض لها في بعض الأوقات ملال أو كلال فذلك لاستعانة العقل بالخيال المستعمل للآلة التي تكلّ فلا تخدم العقل ، ولو كان لغير هذا لكان يقع دائما وفي الأكثر والأمر بالضدّ.
بيان : قوله : «يشهد لنا بهذا» أي بكون النفس غير جسمانية. وقوله : «تكلّ» ، الأوّل من الكلال والثانى من الإكلال. وعبارة البرهان في النجاة قريبة من عبارة الشفاء بهذا العنوان : برهان آخر في هذا المبحث ، وأيضا مما يشهد لنا بهذا ويقنع فيه إلخ. وفي النجاة : المستعمل للآلة التي تكلّ هي فلا تخدم ... وفي أكثر الأحوال الأمر بالضدّ وفي