يح) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا :
قال الشيخ الرئيس في رسالته في السعادة والحجج العشر على أنّ النفس الإنسانية جوهر مفارق :
لو كانت الصورة المعقولة تحتل جسما من الأجسام وتلابسه لامتنع إدراك المتضادين بإدراك واحد معا لأنّ صورتى الضدين هكذا.
وبالجملة المتقابلات لا تحلّ في جسم معا ، ولكن الجسم في محلّ هذه الصورة مخالف لهذا ، فإنّه مهما حلّ فيه صورة أحد المتقابلين وجب ضرورة أن تحل معه صورة المقابل الثاني إذا علم المتقابلات يكون معا. فتبين أنّ هذا الجوهر أعنى القابل للعلم غير جسم بل هو جوهر غير جسمانى؛ وذلك ما أردنا أن نبين (ص ٨ ، ط ١ ، حيدرآباد الدكن).
أقول : هذه الحجة هي الثالثة من الحجج العشر من تلك الرسالة. ويعنى بقوله في النتيجة : «القابل للعلم غير جسم» ، العلم بالمتقابلات ، وإلّا فالكلام عن مدرك العلم فهو الحجة الأولى من تلك الرسالة الموافقة للبرهان الأوّل من نفس الشفاء كما تقدّم في أثناء بيان ذلك البرهان.
ثمّ قد دريت تفصيل البحث وتحقيقه حول هذه الحجة في الحجة الثالثة من الحجج على تجرّد الخيال بأنّ المتقابلات فيها إذا أخذت على صورها الجزئية فتختص بتجرّد الخيال ، وإذا أخذت على صورها الكلية فتختص بالتجرد العقلى فيحتجّ تارة بهذه الحجة على التجرد البرزخى الخيالى ، وأخرى على التجرد التامّ العقلى.