ج) الحجة الثالثة على تجرّد الخيال هي :
أنّا حكمنا بأنّ السواد يضادّ البياض ، والحاكم بين الشيئين لا بدّ وأن يحضراه ، فقد برهنّا على أنّه لا بدّ من حصول السواد والبياض في الذهن أو للذهن ، والبديهة حاكمة بامتناع اجتماعهما في الأجسام والموادّ ، فإذن المحلّ الذي حضرا فيه وجبا أن لا يكون جسما ولا جسمانيا ، والمدرك لمثل هذه الصور الجزئية التي تمتنع عن الكلية والاشتراك بين الكثيرين لا يكون عقلا بل خيالا فثبت أنّ القوّة الخيالية مجرّدة عن المواد كلّها. (الأسفار ، ج ١ ، ط ١ ، ص ٣١٨).
أقول : هذه الحجة هي الحجة الثالثة من الفصل المذكور من الأسفار أيضا على تجرّد الخيال. وقد حرّرناها إجمالا في الدرس السبعين من دروس معرفت نفس بالفارسية (ص ٢٠٧ ، ط ١) ؛ وقد أتى بها الفخر في المباحث وهو الدليل الحادى عشر منه على تجرّد النفس الإنسانية على نحو الإطلاق (ج ٢ ، ص ٣٧٥). وأما التفصيل والتبيين بكونها من أدلة تجرّد الخيال على مبنى الحكمة المتعالية فمن مزايا الأسفار ، ولذا كانت عبارة الأسفار ذات إضافات وإشارات عرشية وعبارة المباحث عارية عنها.
على أنّ المباحث أتى بها على ما ذهب إليه الجمهور من كون الخيال محلا للصور لأنّهم ذهبوا إلى أنّ التخيّل بقوّة جسمانية وقد استدلوا بها بأمور ثلاثة أتى بها في المباحث (ج ٢ ، ص ٣٣٩ ، ط ١) وسنشير في المباحث الآتية إلى مآخذ البحث عنها وكلام القوم فيها. وحيث إنّ صاحب الأسفار قائل بأنّ الخيال ليس محلا لها أضاف في الحجة بعد قوله في الذهن : قوله أو للذهن؛ وعبارة المباحث عارية عن الشق الثانى أعنى أو للذهن ووجهه ظاهر على العارف بمعارف الحكمة المتعالية حيث إنّ الأوّل