د) الحجة الرابعة على تجرّد الخيال :
كل جسم وجسمانى يصحّ اجتماع المتضادّين فيه من جهة قبوله للانقسام فيقوم ببعضه سواد وببعضه بياض كالجسم الأبلق ، أو ببعضه حرارة وببعضه برودة كالانسان إذا تسخّن بعض يده بالنار وتبرّد بعض آخر بالماء ، وكجسم بعضه محاذ لشيء وبعضه ليس بمحاذ له ، فقد اجتمع في جسم واحد أمران متضادّان ومتناقضان لكون وحدة الموضوع في الجسمانيات ممّا يجامع الكثرة بوجه ، وليس كذلك حال النفس فإنّها لا يمكن أن يكون عالما بشيء خيالي جزئي وجاهلا بذلك الشيء أيضا كعلمنا بكتابة زيد وجهلنا به ، وكذلك الشهوة لشيء والغضب عليه ، والمحبة والعداوة فإنّ الإنسان الواحد لا يمكن أن يشتهى شيئا ويغضب عليه ، أو يشتاق إلى شيء ويتنفّر عنه ، فعلم أنّ القوّة الإدراكية والشوقية غير جسمانية وليست أيضا عقليّة فهي مجرّدة عن عالم الأجرام غير بالغة إلى عالم المعقولات. وأمّا تجويز كونها أمرا جسمانيا غير منقسم كالنقطة فقد مرّ بطلانها فإنّ النقطة نهاية ونهاية الشيء لا يمكن أن يكون محلّا لأمر آخر غير حال في محلّ تلك النهاية.
أقول : نظير هذه الحجة هو الدليل الثانى عشر كتاب المباحث المشرقية للفخر الرازى في تجرّد النفس تجرّدا تامّا عقليا فإنّه قال :
الدليل الثانى عشر لو كان محلّ الإدراك قوّة جسمانية لصحّ أن يقوم ببعض ذلك الجسم علم وبالبعض الآخر جهل فيكون الشخص الواحد عالما وجاهلا بشيء واحد في حالة واحدة. (ج ٢ ، ط حيدرآباد ، ص ٣٧٦).
وصدر المتألهين في الفصل المذكور من الأسفار أتى بقيود نحو قوله : «عالما بشيء