الف) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليا :
أنّ الرّوح التي لك من جواهر عالم الأمر لا تتشكل بصورة ولا تتخلّق بخلقة ولا تتعين لإشارة ولا تتردّد بين سكون وحركة فلذلك تدرك المعدوم الذي فات والمنتظر الذي هو آت؛ وتسبح في الملكوت وتنفّس من عالم الجبروت.
أقول : ما نقلناه هو من كلام الفارابى في الفصوص. وهو يحتوى الدليلين على تجرّد النفس تجرّدا تامّا عقلانيا. أحدهما عدم تشكلها بصورة ، وعدم تخلّقها بخلقة ، وعدم تعيّنها لإشارة ، وعدم تردّدها بسكون وحركة والجوهر الكذائى ليس من الطبائع المادية المتصرّمة المقيّدة بالأحياز وسائر الأحكام الجسمانية. ثمّ قال فلعدم كونه كذلك يدرك المعدوم الذي فات والمنتظر الذي هو آت في وقت واحد وحالة فاردة والموجود الذي يجمع الماضى المعدوم والآتى المنتظر فهو فوق عالم الأجسام ومحيط عليها حيث يدرك في أفقه الأعلى السابق واللاحق كليهما. وكفى بذلك شاهدا القرآن الكريم حيث يخبرك الكشف المحمّدى صلّى اللّه عليه وآله ما مضى وما يأتى كأنّهما نصب عينك.
وثانى الدليلين هو قوله : «وتسبح في الملكوت ثمّ تتنفّس من عالم الجبروت».
وسباحة الروح التي للإنسان في الملكوت وتنفّسها من عالم الجبروت أمر وراء عدم تشكّلها بصورة وسائر أعدامها الراجعة إلى إطلاق جوهرها وبساطة ذاتها وإرسال حقيقتها.
وقريب من الدليل الثانى هو ما قاله الشيخ الإشراقى في الهيكل الثانى من هياكل النور : كيف تتوهّم هذه الماهية القدسية جسما وإذا طربت طربا روحانيا تكاد تترك