ب) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا :
أنك لا تغفل عن ذاتك أبدا وما من جزء من أجراء بدنك إلّا وتنساه أحيانا ، ولا يدرك الكلّ إلّا بأجزائه ، فلو كنت أنت هذه الجملة ما كان يستمر شعورك بذاتك مع نسيانها فأنت وراء هذا البدن أو أجزائه.
أقول : نقلنا هذه الحجة من هياكل النور للسهروردي من نسخة مخطوطة من شرح الدوانى عليه. وفي مطبوعة مصر كانت العبارة هكذا : أنت لا تغفل عن ذاتك وما من جزء .. ، فلو كنت أنت هذه الجملة أو جزءا من أجزائها ما كان ... فأنت وراء هذه الجملة.
ولكن قوله : «أو جزءا من أجزائها» ، من عبارة الدوانى في الشرح. وبالجملة هي تدلّ بظاهرها على مغايرة جوهر النفس للبدن ، وبعد الغور فيها يستفاد منها تجرّدها أيضا لأنّه بعد ما ثبت أنّ النفس الناطقة من مقولة الجوهر ـ كما حرّر تحقيقه في شرح العين السادسة من كتابنا سرح العيون في شرح العيون. ـ وقد تحقق فيه أيضا أنّ كل جوهر شاعر بذاته فهو مجرّد عن المادة وأحكامها سواء كان مجرّدا تامّا عقليا كامل الجوهر بفضيلته الذاتية وهي الأمور الدائمة المتشابهة الأحوال أعنى بها المجردات المحضة التي هي المفارقات الكليّة ، أو كان نفسا عاقلة مستكملة ببدنها كالنفوس الإنسانية التي هي مبدأ الإرادة الكلية والجزئية وتتصور بالكليّات ، أو كان نفسا حيوانية لها تجرّد خيالى برزخى وكلها جوهر مجرّد قائم بذاته وشاعر بذاته.
تبصرة : قد تحقّق عند المشّاء أنّ كل عاقل فهو معقول؛ وأنّ كل معقول قائم بذاته فهو عاقل ، وقد برهن في الفصل التاسع عشر من النمط الثالث من إشارات الشيخ وشرح