د) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا
أنّ الحواس لا تدرك إلّا المفردات أعنى أنّ مدركاتها مفردات ، وليس فيها حكم والحكم معتبر فيه الإسناد ويتطرق فيه الصدق والكذب وفينا حاكم يصدّق بعض مدركات الحواس ، ويردّ بعضها الآخر وهو العقل؛ فلو كان جميع قوى الإنسان مادّية لكان عاريا عن ذلك الحاكم العاقل والتالي باطل فالمقدّم مثله.
ولست أعني بقولي هذا أنّ الحكم مركّب وذلك لأنّ الحكم فعل من أفعال النفس وإنشائها وهو بسيط ، ولكنّ ذلك الحكم البسيط لا يصدر عن القوى الحسّية فافهم.
وهذا الدليل قويم جدّا ، وواجب تسرّيه في جميع الأحكام المتفرعة على المفردات المدركة فإنّها من حيث هي أحكام من المعاني الكلية لن تنالها أيدى الحواس قط ، فالمدرك الذي يستنبط منها أو من غيرها أحكاما ويحملها عليها غيرها بالضرورة وذلك الغير هو المدرك للكلّيات أي العقل فتبصّر.