و) ومن الأدلّة على تجرّد النفس النّاطقة تجرّدا تامّا عقليّا
كما في رسائل الكندى الفلسفية (ص ٢٧٣ ، ط مصر) :
أنّ النفس بسيطة ذات شرف وكمال ، عظيمة الشأن ، جوهرها من جوهر البارى عزّ وجلّ ، كقياس ضياء الشمس من الشمس.
وقد بيّن أنّ هذه النفس منفردة عن هذا الجسم مباينة له ، وأنّ جوهرها جوهر الهى روحانى ، بما يرى من شرف طباعها ومضادّتها لما يعرض للبدن من الشهوات والغضب.
وذلك أنّ القوّة الغضبيّة قد تتحرك على الإنسان في بعض الأوقات فتحمله على ارتكاب الأمر العظيم فتضادّها هذه النفس وتمنع الغضب من أن يفعل فعله أو أن يرتكب الغيظ وترته وتضبطه ، كما يضبط الفارس الفرس إذا همّ أن يجمح به أو يمدّه.
وهذا دليل بيّن على أنّ القوّة التي يغضب بها الإنسان غير هذه النفس التي تمنع الغضب أن يجرى إلى ما يهواه ، لأنّ المانع لا محالة غير الممنوع لأنّه لا يكون شيء واحد يضادّ نفسه.
فأمّا القوّة الشهوانية فقد تتوق في بعض الأوقات إلى بعض الشهوات ، ففكّر النفس العقلية في ذلك أنّه أخطأ ، وأنّه يؤدّي إلى حال رديّة فتمنعها عن ذلك وتضادّها. وهذا أيضا دليل على أنّ كلّ واحدة منهما غير الأخرى.
وهذه النفس التي هي من نور البارى عزّ وجل إذا هي فارقت البدن علمت كلّ ما في العالم ، ولم يخف عنها خافية والدليل على ذلك قول أفلاطن حيث يقول : إنّ كثيرا من الفلاسفة الطاهرين القدماء لما يتجرّدوا من الدنيا وتهاونوا بالأشياء المحسوسة ،