ح) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا
وهو أنّه يمكننا أن نعقل ذواتنا ، وكل من عقل ذاتا فله ماهية تلك الذات ، فإذا لنا ماهية ذاتنا ، فلا يخلو إمّا أن يكون تعقّلنا لذاتنا لأنّ صورة أخرى مساوية لذاتنا تحصل في ذاتنا ، وإمّا أن يكون لأجل أنّ نفس ذاتنا حاضرة لذاتنا ، والأوّل باطل لأنّه يفضي إلى الجمع بين المثلين ، فتعيّن الثاني؛ وكل ما كان ذاته حاصلة لذاته كان قائما بذاته؛ فإذا القوة العاقلة قائمة بنفسها ، وكل جسم وجسماني فإنّه غير قائم بنفسه ، فإذا القوّة العاقلة ليست بجسم ولا جسماني.
أقول : أتى الفخر الرازى في المباحث المشرقية : بالدليل المذكور وقال :
هو دليل عوّل الشيخ عليه في كتاب المباحثات ، وزعم أن أجل ما عنده في هذا الباب هذا الدليل. ثمّ إنّ تلامذته أكثروا من الاعتراضات عليه والشيخ أجاب عنها ، إلّا أنّ الأسئلة والأجوبة كانت متفرقة وانا رتبناها وأوردناها على الترتيب الجيد.
ثمّ نقل الفخر الدليل وتلك الأسئلة والأجوبة (ج ٢ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٩ ، ط حيدرآباد) وهو الدليل الثانى من المباحث في بيان تجرّد النفس الانسانية.
ثمّ صاحب الأسفار جعله الحجة الثانية من الحجج التي أوردها في تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا؛ إلّا أنّه حرّر ذيل الدليل هكذا :
والأوّل محال لأنّه جمع بين المثلين فتعين الثاني ، فكل ما ذاته حاصلة لذاته كان قائما بذاته فإذن النفس جوهر قائم بذاته ، وكل جسم وجسمانى غير قائم بذاته فالنفس جوهر غير جسمانى. (ج ٤ ، ص ٦٦ ، ط ١).
ثمّ انّ الدليل المذكور على تجرّد النفس جاء في تضاعيف المباحثات بانحاء عديدة