ط) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا
فاعلم أنّ في الثانى من خامسة نفس الشفاء عدة براهين تنتهى إلى ثمانية بل إلى تسعة على تجرّد النفس الناطقة بالبيان الذي ستسمعه منّا ، أطولها الأوّل منها ، وأقصرها الرابع منها ، والأوّل والسادس منها من غرر تلك البراهين. ونحن نأتى بها ونذكر حولها بعض ما لعلّها يوضح المراد ويفيد المستفيد. على أنّا نأتى بها مصححة من نسخنا المصحّحة المعروضة على عدة نسخ مخطوطة قد وفّقنا بتصحيحها بعرضها عليها في سنى تدريسنا الشفاء.
قال الشيخ :
الفصل الثانى في إثبات أنّ قوام النفس الناطقة غير منطبع في مادّة جسمانية :
انّ ممّا لا شك فيه أنّ الإنسان فيه شيء وجوهر ما يتلقّى المعقولات بالقبول، فنقول :
إنّ الجوهر الذي هو محلّ المعقولات ليس بجسم ولا هو قائم بجسم على أنّه قوّة فيه أو صورة له بوجه فإنّه إن كان محلّ المعقولات جسما أو مقدارا من المقادير فإمّا أن تكون الصورة المعقولة تحلّ منه شيئا وحدانيا غير منقسم ، أو تكون انّما تحلّ منه شيئا منقسما؛ والشيء الذي لا ينقسم من الجسم هو طرف نقطىّ ولنمتحن (ولنمعن ـ خ) أوّلا أنّه هل يمكن أن يكون محلّها طرف غير منقسم؟ فنقول : انّ هذا محال ، وذلك لأنّ النقطة هي نهاية ما لا تميّز لها عن الخط في الوضع ، أو عن المقدار الذي هو منته إليها تميزا يكون له النقطة شيئا يستقرّ فيه شيء من غير أن يكون في شيء من ذلك المقدار ، بل كما أنّ النقطة لا تنفرد بذاتها وانّما هي طرف ذاتى لما هو بالذات مقدار ، كذلك انّما يجوز أن يقال بوجه ما انّه يحل فيها طرف شيء حال في