المقدّمة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه المتعالي عن التجريد والتنزيه ، والمتنزه عن التخليط والتشبيه. والصلاة والسلام على سفرائه أولى النفوس المكتفية ، الكاملين في القوتين النظرية والعملية ، والمكمّلين عقول الخلائق وأخلاقهم بالمعارف العقلية والمحاسن الخلقية. سيما على خاتمهم المخاطب بقوله (عز شأنه) : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وقوله (علت كلمته) : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وعلى عترته المعصومين الهادين ، وعلى جميع عباد الله الصالحين.
وبعد ، فيقول العبد الآمل ربّه الغني المغني ، الحسن بن عبد الله الطبرى الآملي ـ المدعوّ بـ حسن زاده آملي ـ : هذه بضاعتنا المزجاة في تحقيق طائفة من البراهين القاطعة على أنّ النفس الناطقة الإنسانية جوهر غير مخالط للمادة ، بريء عن الأجسام ، منفرد الذات بالقوام والعقل ، روحاني النسج والسوس ، لا يفسد بفساد بدنه العنصرى ، بل باق ببقائه الأبدي ، وسمّيناها الحجج البالغة على تجرّد النفس الناطقة.
ولا يخفى على من لم يهمل نفسه ولم ينسها أنّ أفضل المعارف هو معرفة الإنسان نفسه فإنّ معرفتها هي إحدى الطرق بل كلها لإثبات الواجب بذاته على ما تحقّق في محله ، وإنّ الإيقان بالمعاد المفضي إلى تحصيل السعادة الأبدية معلّق باثباتها.
ومن أخلد إلى الأرض يتوهم بفطانته البتراء أنّ المادة هي الأصل ، وأنّ الإنسان هو هذه البنية المحسوسة والجثّة الملموسة فقط؛ فإذا تلاشت واضمحلّت لم يبق منه شيء ، فينكر الأصل الأصيل الذي هو فوق الطبيعة ووراءها ، ولا يعلم أنّ جوهر الإنسان ليس من الجواهر المركبة الممنوّة بالكون والفساد.