الفصل الخامس في أنّ إدراكها لا يكون بآلات (بالآلة) في حال (فصل في تفصيل الكلام على تجرّد الجوهر الذي هو محل المعقولات؛ فصل في أنّ المدركة للصور الكلية لا يكون بآلات بحال) نقول : انّ الجوهر الذي هو محل المعقولات ليس بجسم ، ولا قائم بجسم ، على أنّه قوّة فيه ، أو صورة له بوجه. فإنّه إن كان محل المعقولات جسما أو مقدارا من المقادير ، فإمّا أن يكون محل الصور (الصورة) فيه طرفا منه لا ينقسم ، أو يكون أنّما يحل منه شيئا منقسما.
ولنمتحن أوّلا أنّه هل يمكن أن يكون طرفا غير منقسم؟ فأقول : إنّ هذا محال. وذلك لأنّ النقطة هي نهاية ما لا تميز لها (له) في الوضع عن الخط أو المقدار الذي هو متصل به (والمقدار الذي هو منته إليها) حتى ينتقش فيه (حتى يستقر فيه) شيء من غير أن يكون في شيء من ذلك الخط. بل كما أنّ النقطة لا تنفرد بذاتها وإنّما هي طرف ذاتي لما هو بالذات مقدار ، كذلك أنّما يقال بوجه ما إنّه (بوجه إنّه) يحلّ فيها طرف شيء حال في المقدار الذي هو طرفه متقدر (فيتقدر) به بالعرض؛ وكما (فكما) أنّه يتقدر به بالعرض كذلك يتناهى بالعرض مع النقطة (بالعرض في النقطة).
ولو كانت النقطة منفردة (مفردة) تقبل شيئا من الأشياء ، لكان يتميّز لها ذات ، فكانت (وكانت) النقطة حينئذ ذات جهتين : جهة منها تلي الخط (الخط الذي تميزت عنه) ، وجهة منها مخالفة له (لها) مقابلة (وجهة منها تخالف الذي تتميز به عنه وهي له مقابلة) ، فتكون حينئذ منفصلة عن الخط ، وللخط نهاية غيرها تلاقيها ، فتكون تلك النقطة نهاية الخط لا هذه (هذا) ، والكلام فيها وفي هذه النقطة واحد ، ويؤدّي هذا إلى أن تكون النقط متشافعة (متتابعة) في الخط ، إمّا متناهية وإمّا غير متناهية؛ وهذا أمر (الأمر) قد بان لنا في مواضع أخرى استحالته. فقد بان أنّ النقط لا تتركب بتشافعها ، وبان أيضا أنّ النقطة لا يتميز (لا يتم) لها وضع خاص. ونشير إلى طرف منها فنقول :
إنّ النقطتين حينئذ اللتين تطبقان بنقطة واحدة من جنبتيها (جنبتيه) إمّا أن تكون هذا النقطة المتوسطة تحجز بينهما فلا تتماسان ، فيلزم حينئذ في البديهة العقلية الأوّلية أن تكون كل واحدة منهما تختص بشيء من الوسطى تماسّه ، فتنقسم حينئذ الواسطة ،