فإنّ أجزاءها لا خالية عن كمال الصورة ولا مستوفية لها استيفاء تامّا ، وكأنّها أجزاء حدّه ورسمه.
فإذا تقررت هذه المقدمات فنقول : لا محالة أنّ الصورة المعقولة ، وبالجملة العلم ، تقتضي محلّا من ذات الإنسان جوهرىّ الذات محلّه ، فلا يخلو أن يكون هذا الجوهر جسما منقسما أو جوهرا غير جسم ولا منقسم. وأقول ولا يجوز أن يكون جسما؛ وذلك أنّ الصورة المعقولة الكلّية إذا حلّت جسما فلا محالة أنّه يمكن أن يعرض فيها الانقسام على ما أوضحناه أوّلا. ولا يجوز أن تكون أجزاؤها إلا متشابهة للكل من وجه ، مباينة من وجه؛ وبالجملة في كلّ واحد منها بعض معنى الكلّ. والصورة الكلّية ليس شيء منها يتركب منه وله بعض معناها إلّا الأجناس والفصول ، فإذن هذه الأجزاء أجناس وفصول ، فكل واحد منها صورة كلّية ، والقول فيها كالقول الأوّل ، ولا محالة إمّا سينتهي إلى صورة أولى لا تنقسم إلى أجناس وفصول لامتناع التمادي إلى ما لا يتناهى في أجزاء مختلفة المعاني إذا تقرر أنّ الأجسام تتجزّأ إلى ما لا يتناهى. ومعلوم أنّه إن كانت الصورة الكلّية لا تنقسم إلّا إلى أجناس وفصول وإن كان منها (وفصول إن كان منها) ما لا تنقسم إلى أجناس وفصول ، فليس تنقسم بوجه من الوجوه في ذاته إذن ولا المركب منهما ، إذ من المعلوم أنّ الإنسان لا يمكن أن يتصوّر إلّا مع تصوّر الحىّ الناطق.
وبالجملة لا يمكن أن تتصوّر الصورة الكلية التي لها جنس وفصل إلّا بتصوّرها جميعا. فإذن الصورة التي وصفناها أنّها حلّت في الجسم لم تحلّ فيه وهذا خلف؛ فنقيضه ، وهو قولنا : إنّ الصورة الكلية لا تحلّ جسما من الأجسام ، صادق. فإذن الجوهر الذي تحل فيه الصورة العقلية الكلية جوهر روحاني غير موصوف بصفات الأجسام ، وهو الذي نسمّيه بالنفس الناطقة. وذلك ما أردنا أن نبين.
٧ ـ للشيخ رسالة فارسية في معرفة النفس قد طبعت بمناسبة ذكرى ابن سينا الألفية في جامعة طهران ، عاصمة ايران ، سنة ١٣٧١ هـ. ق ١٣٣١ هـ. ش بتصحيح الدكتور موسى عميد ، وقد بذل جهده في تصحيحها بعرضها على نسخ عديدة عرفها في مفتتح