إذا وضعنا الصورة الكلية نوعا من الأنواع الأخر أنّ هذه الأجزاء تكون أشخاصها يحمل عليها معنى الصورة الكلّية ، ثمّ عند تركبها يحصل المعنى الكلى ، وذلك محال على ما بيّن على لسان المنطقيين ولسان الفاحصين عن الفلسفة الأولى؛ ثمّ مع ذلك لا يكون الانقسام عارضا لها بل لموضوعاتها التي تحمل هي عليها وذلك غير الموضوع.
فبقى أنّما إذا انقسمت فإنّما تنقسم إلى أشياء ليس لها تمام معناها ، ولا هي أيضا عرية عنها ، وتلك هي أجزاء الحد والرسم ، فإذا إنّما تنقسم إلى أجزاء حدّية أو رسمية ، ولا يخلو إمّا أن تكون هذه الأجزاء كلّية أو شخصيّة : فإن كانت الشخصية فحدّ الكلى مركب من أجزاء شخصيّة وذلك محال على ما بينه المنطقيون. وإن كانت كلّية فالمسألة راجعة من الرأس في كل واحد من الأجزاء. فأمّا إن بلغت القسمة إلى ما لا تتناهى فتكون صورة كلية مركبة من مباد صورية كلّية لا تنقسم في ذاتها إلى الأجناس الأولى. وبين أنّ هذه الصورة الكلية ليس من شأنها الحلول في جسم من الأجسام لأجل امتناعها عن الانقسام. فإذا لا الصورة التي هذه الصورة مبدؤها وجزؤها وحدها بحالّة في الجسم ، وإلّا فيكون الإنسان موجودا ولا حيوانا وهذا محال.
فتبيّن أنّ الصورة الكلية لن تحلّ جسما من الأجسام البتة ، ولا أيضا في قوّة جسمانية ، إذ حال القوّة الملابسة للجسم في الانقسام كحال الجسم. فقد اتضح أنّ محلّ الحكمة من ذات الإنسان جوهر غير جسماني قائم بذاته ، وذلك ما أردنا أن نبيّن.
وهذا البرهان قد لخّصه الغزّالي بتحرير آخر ونقله في كتابه معارج القدس في مدارج معرفة النفس وهو البرهان الأوّل فيه أيضا. (ص ٢٥ ، ط مصر).
وكذا قد نقله الفخر الرّازي في المباحث المشرقية بتحرير آخر ، وهو الدليل الأوّل فيه أيضا على تجرّد النفس الإنسانيّة؛ ثمّ أتى في أثناء التحرير بمطالب على سبيل السؤال والجواب حول الدليل لا تخلو من فوائد (ج ٢ ، ص ٣٤٥ ، ط ١) ؛ وكذا في المسألة الثامنة والعشرين من كتابه المسمّى بـ الأربعين (ج ١ ، ص ٢٦٧ ، طبع حيدرآباد الدّكن).