ولأجل أنّ المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس ، لأنّها أقوى المناسبات ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (١) ، يطلب الملائكة من الله المغفرة لأهل الإيمان من الثقلين ، كما قال عزّ اسمه : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) كأنّه قيل : ويؤمنون به ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم من أهل الأرض ، وإن تباعدت الأماكن بينهم وبين الثقلين. فبين قوله : (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) غاية التناسب والتجانس.
(رَبَّنا) أي : يقولون ربّنا. وهذا بيان لـ «يستغفرون» مرفوع المحلّ مثله. (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي : وسعت رحمتك وعلمك ، فأزيل الكلام عن أصله ، بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم. وأخرجا منصوبين على التمييز ، للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم ، كأنّ ذاته رحمة وعلم واسعان كلّ شيء. وتقديم الرحمة على العلم ، لأنّها المقصودة بالذات هاهنا.
(فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) للّذين علمت منهم التوبة واتّباع سبيل الحقّ. وهو دين الإسلام. فما بعد الفاء مشتمل على حديث الرحمة والعلم ، لا الغفران وحده. فيطابق قوله : (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً).
(وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) واحفظهم عنه. وهو تصريح بعد إشعار ، للتأكيد والدلالة على شدّة العذاب. والفائدة في استغفارهم لهم وهم تائبون صالحون موعودون : زيادة الكرامة والثواب. أو الدلالة على أنّ إسقاط العقاب عند التوبة تفضّل من الله تعالى ، إذ لو كان واجبا لكان لا يحتاج إلى مسألتهم ، بل كان يفعله الله سبحانه لا محالة.
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) إيّاها على ألسن الرسل (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) عطف على «هم» الأوّل ، أي : أدخل هؤلاء
__________________
(١) الحجرات : ١٠.