وعن الحسن : لمّا رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم ، فنودوا : «لمقت الله».
وقيل : معناه : لمقت الله إيّاكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض ، كقوله تعالى : (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (١).
(إِذْ تُدْعَوْنَ) ظرف. وعامله فعل دلّ عليه المقت الأوّل ، لا هو ، لأنّه أخبر عنه ، وقد فصل بينه وبين الظرف خبره ، أعني «أكبر» ، فلا يجوز. ولا المقت الثاني ، لأنّ مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة. فالمعنى : مقتكم الله حين كان الأنبياء يدعونكم (إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) فتأبون قبوله ، وتختارون عليه الكفر. أو تعليل للحكم ، وزمان المتقين واحد.
ثمّ حكى سبحانه عن الكفّار الّذين تقدّم وصفهم بعد حصولهم في النار ، بأنّهم (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) إماتتين ، بأن خلقتنا أمواتا أولا ، ثمّ صيّرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا ، فإنّ الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء ، فيصحّ أن يسمّى خلقهم أمواتا إماتة ، كما يصحّ أن تقول : سبحان من صغّر البعوض وكبّر الفيل ، وتقول للحفّار : ضيّق فم الركيّة (٢) ووسّع أسفلها ، وليس ثمّ نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق ، وإنّما أردت الإنشاء على تلك الصفات. والسبب في صحّته أنّ الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير ترجّح لأحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكّن منهما على السواء ، فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه.
(وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) الإحياءة الأولى ، وإحياءة البعث. وناهيك تفسيرا لذلك
__________________
(١) العنكبوت : ٢٥.
(٢) الركيّة : البئر ذات الماء.