بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨))
ثمّ ذكر قصّة موسى وفرعون لينظروا فيها نظر اعتبار ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) يعني : المعجزات (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) وحجّة ظاهرة. والعطف لتغاير الوصفين ، أو لإفراد بعض المعجزات كالعصا ، تقديما لشأنه.
(إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ) كان موسى عليهالسلام رسولا إلى كافّتهم ، إلّا أنّه خصّ فرعون وهامان وقارون بالذكر ، لأنّ فرعون رئيسهم ، وكان هامان وزيره ، وقارون صاحب كنوزه ، والباقون تبع لهم (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) يعنون : موسى عليهالسلام.
وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبيان لعاقبة من هو أشدّ من الّذين كانوا من قبلهم بطشا وأقربهم زمانا.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِ) بالنبوّة (مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي : أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أوّلا ، كي يصدّوا عن مظاهرة موسى (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) في ضياع. يعني : أنّهم باشروا قتلهم أوّلا فما أغنى عنهم ، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه ، فما يغني عنهم هذا القتل الثاني. ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم ، والدلالة على العلّة.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي) اتركوني (أَقْتُلْ مُوسى) كانوا يكفّونه عن قتله ، ويقولون : إنّه ليس الّذي تخافه ، وهو أقلّ من ذلك وأضعف ، وما هو إلّا بعض السحرة ، ومثله لا يقاوم إلّا ساحرا مثله ، ولو قتلته أدخلت الشبهة على الناس أنّك عجزت عن معارضته بالحجّة.
والظاهر أنّ فرعون كان قد استيقن أنّه نبيّ ، وأنّ ما جاء به آيات وما هو