(قُلْ هُوَ) أي : القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) إلى الحقّ (وَشِفاءٌ) لما في الصدور من كلّ شكّ وشبهة. سمّي اليقين شفاء ، كما سمّي الشكّ مرضا في قوله : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (١). (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) مبتدأ خبره (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) على تقدير : هو في آذانهم ثقل (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) وذلك لتصامّهم عن سماعه ، وتعاميهم عمّا يريهم من الآيات. ومن جوّز العطف على عاملين عطف قوله : (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) على (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) أي : هو للّذين لا يؤمنون في آذانهم وقر. (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي : انّهم لا يقبلونه ، ولا يرعونه أسماعهم ، فمثلهم في شدّة إعراضهم عنه ، مثل من يصاح به من مسافة بعيدة لا يسمع من مثلها الصوت ، فلا يسمع النداء.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦))
ثمّ سلّى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن جحود قومه له وإنكارهم لنبوّته بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) بالتصديق والتكذيب ، كما اختلف في القرآن ، فلا تحزن ولا تبخع (٢) نفسك عليهم حسرات (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي العدة بالقيامة ، وفصل الخصومة في ذلك اليوم. أو تقدير الآجال. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في الدنيا باستئصال المكذّبين قبل انقضاء آجالهم. ومثل ذلك قوله تعالى :
__________________
(١) البقرة : ١٠.
(٢) بخع نفسه : نهكها وكاد يهلكها من غضب أو غمّ.