زبدة التّفاسير [ ج ٦ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في زبدة التّفاسير

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

ثمّ ذكر ما كان أجلّ النعم المذكورة ، وهي النبوّة ، فقال : (وَما كانَ لِبَشَرٍ) وما صحّ لأحد من البشر (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) إلّا أن يوحي إليه وحيا ، أي : كلاما خفيّا يدرك بسرعة. وهو عبارة عن الإلهام ، أي : قذف المعنى وإلقاؤه في القلب يقظة أو نوما ، كما أوحى إلى أمّ موسى عليه‌السلام ، وإلى إبراهيم عليه‌السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد : أوحى الله الزبور إلى داود عليه‌السلام في صدره.

(أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي : إلّا أن يكلّمه من ورائه ، كما يكلّم الملك بعض خواصّه وهو من وراء الحجاب ، فيسمع صوته ولا يرى شخصه. ومنه الأحاديث المعراجيّة. أو يسمع الكلام الّذي يخلق في الأجسام الجماديّة ، كما اتّفق لموسى عليه‌السلام في الطور.

(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) أي : إلّا أن يرسل ملكا من الملائكة (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) فيوحي الملك إلى الأنبياء ما يشاء الله ، أي : يبلّغ وحيه على وفق ما أمره ، كجبرئيل أرسل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

واعلم أنّ «وحيا» وما عطف عليه منتصب بالمصدر ، لأنّ «وحيا» نوع من الكلام كما فسّرنا به ، و (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) صفة كلام محذوف ، والمعطوف والمعطوف عليه واقعان موقع الحال. والتقدير : وما صحّ أن يكلّم أحدا إلّا موحيا ، أو مسمعا من وراء الحجاب ، أو مرسلا. والإرسال أيضا نوع من الكلام ، كما تقول : لا أكلّمه إلّا جهرا وإلّا إخفاتا ، لأنّ الجهر والإخفات ضربان من الكلام. وقرأ نافع : أو يرسل برفع اللام.

(إِنَّهُ عَلِيٌ) عن الإدراك بالأبصار وسائر صفات المخلوقين (حَكِيمٌ) يفعل ما تقتضيه حكمته من التكلّم بأحد الأنحاء الثلاثة.

وروي : أنّ اليهود قالت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تكلّم الله وتنظر اليه إن كنت نبيّا ، كما كلّمه موسى ونظر إليه ، فإنّا لن نؤمن لك حتّى تفعل ذلك؟ فقال : «لم ينظر موسى