وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤))
ثمّ سلّى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن استهزاء قومه بقوله : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) في الأمم الماضية (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) حكاية حال ماضية مستمرّة. يعني : من الأمم الخالية كفرت بالأنبياء وسخرت منهم ، لفرط جهلهم ، واستهزأت بهم كما استهزأ قومك بك ، أي : فلم نضرب عنهم صفحا لاستهزائهم برسلهم ، بل كرّرنا الحجج وأعدنا الرسل.
(فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ) أي : من القوم المسرفين من قومك ، لأنّه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول مخبرا عنهم (بَطْشاً) قوّة ومنعة ، فلا يغترّ هؤلاء المشركون بالقوّة والنجدة (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) وسلف في القرآن قصّتهم العجيبة الّتي حقّها أن تسير مسير المثل لغرابته. وفيه وعد للرسول ، ووعيد لهم. يعني : لمّا أهلكوا أولئك بتكذيبهم رسلهم وعملهم القبيح ، فعاقبة هؤلاء أيضا الإهلاك.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) سألت قومك (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ) القادر الّذي لا يقهر (الْعَلِيمُ) بمصالح العباد. لعلّ ذلك لازم مقولهم ، أو ما دلّ عليه إجمالا ، أقيم مقامه تقريرا لإلزام الحجّة عليهم. فكأنّهم قالوا : الله ، كما حكى عنهم في مواضع أخر. ومعناه : لينسبنّ خلقها إلى الّذي هذه أوصافه.
وهذا إخبار عن غاية جهلهم ، إذ اعترفوا بأنّ الله خالق السماوات والأرض ، ثمّ عبدوا معه غيره ، وأنكروا قدرته على البعث. ويجوز أن يكون هذا مقولهم ، وما بعده استئناف.